Back to Home العربية
NYU Pathfinders logo
إصلاح دستوري يستلهم قيم الشعوب الأصلية: إكوادور

دستور إكوادور لعام 2008 يستلهم قيم الشعوب الأصلية بشأن المساواة، والتنوع، والمعاملة بالمثل، والاستدامة

6 يونيو 2023
تأليف: أماندا لنهاردت

تضمن دستور إكوادور لعام 2008 مبادئ “العيش الكريم” (Buen Vivir)، التي تمثل مفهوماً بديلاً للتنمية يعتمد على وجهات نظر الشعوب الأصلية للعالم. ويشير العيش الكريم بوجه عام إلى تحقيق الرفاه الجماعي للفئات الاجتماعية، في وئام مع الطبيعة، بالتركيز على المعاملة بالمثل والتضامن. وقد استنير بهذا المفهوم في اعتماد الحقوق الجماعية في إكوادور، حيث تم تعميم حقوق الطبيعة، والتعددية القومية، والتعددية الثقافية في جميع السياسات.

رداً على عقود طوال من تفاقم عدم المساواة والفقر الراسخ، ضغطت الحركات الاجتماعية في إكوادور من أجل نموذج بديل للتنمية مغاير للنظام النيوليبرالي الذي ترسخ في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية. وعندما انتُخب رافائيل كورّيا رئيساً للإكوادور في عام 2007، قام بإجراء استفتاء حول وجوب إعادة كتابة الدستور، وهي خطوة أيّدها 80 في المائة من السكان. ووعدت حملته من أجل الإصلاح بإعادة توجيه سياسة الدولة نحو مطالب المواطنين، والابتعاد عن الضغوط النيوليبرالية الدولية. وتمت كتابة الدستور الجديد بالتشاور مع العديد من أصحاب المصلحة، وتم تشكيل جمعية تأسيسية منتخبة لصياغته. واعتُمد مفهوم العيش الكريم كمبدأ توجيهي لنموذج تنمية الدولة المنصوص عليه في الدستور، استناداً إلى سنوات من التنظيم والخطاب السياسي بين جماعات الشعوب الأصلية في إكوادور والبلدان الأخرى في المنطقة.1

العيش الكريم وثمة تفسيرات متعددة لمفهوم “العيش الكريم” لكنه يشير بوجه عام إلى “نموذج ثقافي للتنظيم الاجتماعي موجه نحو المجتمع ويعتمد على طريقة حياة تحافظ على علاقة احترام ووئام وتوازن مع كل ما هو موجود”.2 العيش الكريم وللعيش الكريم ثلاثة أبعاد مركزية: الوئام مع الذات (الهوية)؛ والوئام مع المجتمع (الإنصاف)؛ والوئام مع الطبيعة (الاستدامة).3 ولهذا المفهوم جذور في التقاليد الثقافية للشعوب الأصلية في منطقة الأنديز والأمازون، وقد اعتُمد مؤخراً في الخطاب المعاصر، ولا سيما في دراسات التنمية، كبديل للتنمية الرأسمالية، والأوروبية المنحى، والمدمرة للبيئة.4

التنفيذ

لم يُعرِّف الدستور “العيش الكريم” رغم أنه أتى على ذكره 25 مرة، بما في ذلك في الديباجة، والقسم 2 (حقوق العيش الكريم)، والقسم 6 (نظام العيش الكريم)، والقسم 7 (نظام التنمية).5 وتنص المادة 5.3 على أن واجبات الدولة تشمل “تخطيط التنمية الوطنية، والقضاء على الفقر، وتعزيز التنمية المستدامة، وإعادة توزيع الموارد والثروات بشكل منصف بغية توفير العيش الكريم.” 6 وتُطبَق مبادئ العيش الكريم في الدستور للتعبير عن جملة حقوق من بينها الحق في الإدماج، والإنصاف، والتعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي، والإسكان، والتنوع الثقافي، والتنمية المستدامة، وصون التنوع البيولوجي. ومن أكثر الإنجازات المؤسسية ابتكاراً التي تمخض عنها الإصلاح الدستوري في إكوادور الاعتراف القانوني بـِ “حقوق الطبيعة”.7 كما يعلن الدستور إكوادورَ دولةً متعددة القوميات، تعترف بالتنوع من حيث الأصل الإثني، والعرق، والنوع الاجتماعي، والإقليم، والجنس، والإعاقة، ووضع المهاجرين، والجيل.8

وانطلاقاً من الدستور، اعتمدت حكومة إكوادور ثلاث خطط إنمائية وطنية ترسخ مبادئ العيش الكريم، بما فيها خطة التنمية الوطنية للفترة 2007-2010، والخطة الوطنية للعيش الكريم للفترة 2009-2013، والخطة الوطنية للعيش الكريم للفترة 2017-2021 وتحدد هذه الخطط الأهداف الوطنية والنفقات العامة المتصلة بها من أجل العمل على إجراء التغييرات الهيكلية الطويلة الأجل في إكوادور التي تعزز الحقوق المكرسة في الدستور. واقترن تخطيط العيش الكريم بتوسيع هياكل السياسات والمبادرات التي أرست إجراءات وأنماطاً جديدة لإعادة التوزيع وديناميات التفاعل بين الدولة والمواطن، مع تدابير الاستهداف اللازمة،[Buen Vivir] لتوسيع قدرة الدولة وضمان التغيير المنصف.9

التكلفة

لا تتاح معلومات عن تكلفة الإصلاحات الدستورية في إكوادور، كما أن السياسات والبرامج المنبثقة عن هذه الإصلاحات متعددة الأوجه إلى درجة يصعب معها تقديم تقدير دقيق لتكلفتها.

التقييم

تقلصت أوجه عدم المساواة منذ اعتماد دستور عام 2008. وارتفعت حصة النصف الأفقر من السكان من توزيع الدخل القومي من 8.9 في المائة في عام 2007 إلى ذروتها التي بلغت 13.2 في المائة في عام 2016.10وخلال الفترة نفسها، انخفض معامل جيني من 53.4 إلى 45، وهو انخفاض كبير مستمر لم يشهده سوى عدد قليل من البلدان الأخرى. وزادت فرص الحصول على التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة بمعامل قدره 12، وزادت فرص الحصول على التعليم بين أبناء الشعوب الأصلية بنسبة 48 في المائة وبين الإكوادوريين من أصل أفريقي بنسبة 49 في المائة بين عامي 2006 و2016 .11 وانخفضت بشكل طفيف أوجه عدم المساواة بين المناطق الريفية والحضرية، وتضاعف الإنفاق الاجتماعي في السنوات الأولى، وأصبح المزيد من الناس مشمولين بالضمان الاجتماعي، وأُلغي تسليع الخدمات الاجتماعية، وارتفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 40 في المائة بالقيمة الحقيقية بين عامي 2007 و2012 .12 كما استُحدثت برامج متعددة للأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك تحويلات الحماية الاجتماعية، والعلاجات الطبية، وتوفير المعدات، والإسكان. ومن منظور سياسي، كانت الفترة التي أعقبت اعتماد دستور 2008 إحدى أكثر الفترات استقراراً في تاريخ إكوادور. وبقيت حكومة رافائيل كورّيا في السلطة من عام 2007 حتى عام 2017 بعد فترة من التبدل السياسي شهدت تعاقب سبعة رؤساء في السنوات العشر السابقة.13

غير أن تطبيق مبادئ العيش الكريم لم يكن متسقاً حيث جادل المنتقدون بأن حكومة كورّيا أعطت الأولوية لمبدأ الاستثمار الاجتماعي على حساب المبادئ الأخرى، ولا سيما المبادئ البيئية، وعلى نحو يتعارض مع مبادئ التناغم في جميع المجالات.14 وخلافاً لمفهوم العيش الكريم، واصلت حكومة إكوادور الاعتماد على استخراج الموارد الطبيعية، وزادت من مركزية سلطة الدولة، وزادت الديون الخارجية .15 وقد أسهم ذلك في استياء شعبي من السياسات التي تم سنّها خلال رئاسة كورّيا.

المراجع
  • 1. Beling, A. E., Cubillo-Guevara, A. P., Vanhulst, J., & Hidalgo-Capitán, A. L. “Buen vivir (Good Living): A “Glocal” Genealogy of a Latin American Utopia for the World,” Latin American Perspectives, 48 no. 3 (2021): 17–34, https://doi.org/10.1177/0094582X211009242
  • 2. Ibid.
  • 3. Ibid.
  • 4. Marchand, L., & Hérault, M., “The Implementation of Buen Vivir in Ecuador: An analysis of the Stakeholders’ DIscourses,” European Journal of Sustainable Development, 8 no. 3 (2019): 282-293, https://doi.org/10.14207/ejsd.2019.v8n3p282
  • 5. Williford, B., “Buen Vivir as Policy: Challenging Neoliberalism or Consolidating State Power in Ecuador,” Journal of World-Systems Research, 24 (2018): 96-122, https://doi.org/10.5195/JWSR.2018.629
  • 6. Ibid.
  • 7. Beling, Cubillo-Guevara, VAnhulst, and Hidalgo-Capitán, “Buen vivir.”.
  • 8. Radcliffe, S., “Tackling Complex Inequalities and Ecuador’s Buen Vivir: Leaving No-one Behind and Equality in Diversity,” Bulletin of Latin American Research, 37 no. 4 (2018): 417-433.
  • 9. Ibid.
  • 10. World Inequality database, “Ecuador,” https://wid.world/country/ecuador
  • 11. Echavarría, R., Orosz, A., “Buen Vivir and Changes in Education in Ecuador, 2006-2016,” Latin American Perspectives, 48 no. 3 (2021), https://doi.org/10.1177/0094582X211009270
  • 12. Radcliffe, “Tackling Complex.”
  • 13. Williford, “Buen Vivir.”
  • 14. Beling, Cubillo-Guevara, Vanhulst, and Hidalgo-Capitán, “Buen vivir,” Williford, “Buen Virir.”
  • 15. Williford, “Buen Virir.”

وسوم