أُطلق مشروع الأشغال العامة في اليمن في عام 1996، لتمكين العاطلين عن العمل من الحصول على وظائف قصيرة الأجل في إنشاء بنى أساسية تشمل مدارس ومستشفيات ونظم مياه وصرف صحي وطرق محلية، وتساعد على دعم التنمية في المجتمعات المحلية. صُمِّم المشروع من أجل التخفيف من وطأة حزمة الإصلاحات الاقتصادية، التي رسمها صندوق النقد الدولي، عن الفئات الأشد تعرضاً للمخاطر في اليمن، ولا سيما ذوو الدخل المنخفض والعاطلون عن العمل.
في عام 1991، أجبرت حرب الخليج حوالي 750,000 يمني على العودة إلى بلدهم، ما سبّب زيادة في نسب البطالة، وانخفاضاً حاداً في التحويلات النقدية الوافدة. وتفاقمت تداعيات حرب الخليج على اليمن بفعل الحرب الأهلية في عام 1994، وفترة الجفاف التي استمرت لعامين، فتزعزع الاقتصاد اليمني، وزاد الإنفاق العام على الإيرادات العامة، وتضخّم الدين الخارجي. وفي عام 1995، شرع اليمن في تطبيق إصلاحات اقتصادية رسمها صندوق النقد الدولي لخفض الديون الخارجية وتفادي خطر العجز عن سداد الديون. وبموجب هذا الإصلاح، خُفّض الإنفاق العام، واعتمدت سياسات لدعم النمو الاقتصادي المدفوع بالقطاع الخاص. 1
لا أن خفض الإنفاق الحكومي، ولا سيما عبر رفع الدعم العام، هدّد بمزيد من التأخر والإهمال للفئات التي تعيش في فقر، والتي عادة ما يشتد اعتمادها على الخدمات الاجتماعية العامة. ولتدارك الوضع، أنشئ مشروع الأشغال العامة في عام 1996 كمبادرة متممة لبرامج الإصلاح، تهدف إلى إيجاد فرص العمل، وإنشاء البنى الأساسيّة حيث تمسّ الحاجة إليها. 2
فالهدف من مشروع الأشغال العامة كان إيجاد فرص عمل في الأشغال المدنية الصغيرة النطاق، إما في إنشاء هياكل جديدة أو في إعادة تأهيل الهياكل القديمة، وذلك في مناطق جغرافية تسجل نسب بطالة أعلى من المتوسط. وركز المشروع على القطاعات التالية:
- إدارة النفايات: إنشاء شبكات لجمع مياه الصرف الصحي، وتصريف مياه الأمطار، وتنظيف هذه الشبكات، وتجميع النفايات الصلبة، وإنشاء مطامر تستوفي شروط السلامة؛
- التنمية الحضرية: إنشاء شبكات لتوزيع المياه، وإصلاح الشوارع وممرات المشاة أو رصفها، وتصريف مياه الأمطار، والوقاية من الفيضانات؛
- التنمية الريفية: إصلاح الطرق، وشبكات الإمداد بالمياه، وتنظيف وإصلاح قنوات الري؛
- حفظ التربة: إنشاء المصاطب والمصارف، والسدود الصغيرة؛
- الصحة والتعليم: إنشاء المراكز الصحية والمباني المدرسية.3
كان الهدف الكلي للمشروع هو توفير ما بين 75,000 و96,000 شهر عمل (من دون تحديد عدد العاملين) على مدى أربعة أعوام (من عام 1996 إلى عام 2000)، مع تحسين البنى الأساسيّة القائمة للمجتمعات المحتاجة.
التنفيذ
أنشئ مشروع الأشغال العامة بموجب القانون رقم 36 لعام 1996. ومن ثمّ، أنشأ قرار رئيس الوزراء رقم 3 لعام 1996 لجنة توجيهية تضطلع بالموافقة على السياسات وحل المسائل المرتبطة بالمشروع، وتشرف على وحدة إدارة المشروع. وتألفت اللجنة من تسعة من كبار المسؤولين الحكوميين (برتبة وزير)، وترأسها وزير التخطيط والتنمية. وأنشئت كذلك وحدة لإدارة المشروع تضطلع بمسؤوليات التنفيذ وتتألف من 20 مهنياً مؤهلاً، ومن عدد من موظفي الدعم. وصاغت الوحدة قواعد خدمة الموظفين، وأدلة الإجراءات، وطورت منظومة شاملة لإدارة المعلومات، وافتتحت عدداً من المكاتب في مختلف مناطق البلد. 4
وقد حقق المشروع نجاحات عدة في إيجاد فرص عمل وتزويد المجتمعات المحلية بالبنى الأساسيّة، ما دفع إلى زيادة التمويل المقدّم من المانحين، ومن ثم إلى تنفيذ المزيد من مشاريع الأشغال العامة.
الكلفة
كانت حكومة اليمن هي الجهة المشرفة على تنفيذ المشروع، إلا أن تمويله أتى من المانحين الدوليين. بلغت الكلفة الأولية للمشروع ما يعادل 17 مليوناً من حقوق السحب الخاصة، أي ما يعادل 25 مليون دولار أمريكي، وقد موّله قرض من البنك الدولي. 5 في عام 1998، قدمت هولندا منحة تمويلية قيمتها حوالي 4,000,000 جيلدر (1.96 مليون دولار أمريكي) من أجل تمويل بناء 13 مدرسة للفتيات.6 وأثناء تنفيذ المشروع، انخفضت قيمة الدولار ما أدى إلى انخفاض حقوق السحب الخاصة، ومع انتهاء المشروع، بلغت كلفته 30.44 مليون دولار أمريكي، ساهم فيه البنك الدولي بقرض ناهزت قيمته 23.18 مليون دولار، وهولندا بمنحة بلغت نحو 1.96 مليون دولار، وقدمت حكومة اليمن بقية المبلغ، أي حوالي 5.30 مليون دولار. 7
التقييم
بحلول عام 2000، كان المشروع قد أوجد 66,000 شهر عمل (ما يعادل توظيف 22,000 شخص لمدة 3 أشهر، أو توظيف 11,000 شخص لمدة ستة أشهر)، ونفذ في إطاره 422 مشروعاً للمجتمعات المحلية حسنت البنى الأساسيّة واستفاد منها حوالي مليوني مواطن. وقد أشرفت على المشروع وحدة إدارة كفؤة للغاية، تمكّنت من مراجعة ورصد وتمويل مئات المشاريع للمجتمعات المحلية، قيمتها ملايين الدولارات خلال فترة قصيرة نسبياً.
أما من حيث إيجاد فرص العمل، فقد بلغ عدد أشهر العمل التي وفّرها المشروع 66,000 شهر عمل، أي أقل قليلاً من هدف 75,000-96,000 شهر عمل، وذلك لعدّة أسباب منها أنّ عمليّة الرصد أهملت عدداً كبيراً من أشهر العمل خلال المراحل الأولى من المشروع، وأنّ الأيدي العاملة المطلوبة لبناء المدارس والمستشفيات (التي شكلت غالبية مشاريع البنى الأساسيّة) كانت أقل من المتوقع، وأنّ كلفة إيجاد فرص عمل صغيرة النطاق كانت أكبر من المتوقع. وعلى الرغم من ذلك، مثّل المشروع إنجازاً هاماً من حيث توفير فرص العمل القصيرة الأجل لليمنيّين العاطلين عن العمل.
وقد غطت مشاريع المجتمعات المحلية البالغ عددها 422 جميع القطاعات المستهدفة، إلا أنها تركزت في قطاع التعليم (53 في المائة من المشاريع الفرعية)، يليه قطاع الصحة (18 في المائة)، فالمياه (11 في المائة). وموّلت المشاريع أيضاً تجهيز غرف الصفوف في المدارس المنشأة، ما أدى إلى توفير 11,856 مقعداً إضافياً للتلاميذ. وبحلول نهاية عام 2000، كانت المشاريع الفرعيّة كافة قد دخلت حيز التشغيل.
وموّلت المنحة الهولندية بناء 13 مدرسة للفتيات، وتجهيز الصفوف لنحو 4,088 تلميذ.
ونجحت اللجنة التوجيهية في حل جميع المسائل التي برزت أثناء تنفيذ المشروع، كما حددت وحدة إدارة المشروع، بنجاح، المشاريع التي ينبغي تمويلها، وتمكنت من إشراك المجتمعات المحلية، ومن الإسراع بصرف الأموال للمشاريع بما يصل إلى مليون دولار أمريكي شهرياً.
اجتذب نجاح المشروع تمويلاً متزايداً من جهات مانحة أخرى لمشاريع مماثلة، ودفع هذا النجاح أيضاً البنك الدولي إلى تعاون أكبر مع حكومة اليمن في إنشاء مشاريع متتالية للأشغال العامة لا يزال بعضها قائماً حتى اليوم. وتشير أحدث النتائج إلى أن المشروع قد مول، حتى الآن، 7,000 مشروع فرعي، وأتاح ثمانية ملايين شهر عمل، وبنية تحتية يستفيد منها 23.9 مليون إنسان. 8
لا أن فرص العمل في المشروع تفتقر إلى الاستدامة، لأنها تعتمد بالكامل على التمويل الخارجي. ويرى بعض المنتقدين أن تمديد أنشطة مشروع الأشغال العامة لفترة 27 عاماً يضعف هياكل الحوكمة الوطنية، خاصة وأن هذه الأنشطة تجرى، أحياناً، بالتنافس مع بعض الوزارات. 9
معلومات إضافية
بعد نشوب الحرب في عام 2015، أوقف العديد من المانحين تمويلهم لمشروع الأشغال العامة، ما أدى إلى زيادة هائلة في البطالة خلال فترة اشتدّ فيها التعرّض للمخاطر. في عام 2016، واصل مشروع الاستجابة لحالات الطوارئ في اليمن، بالشراكة مع البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عمليات مشروع الأشغال العامة (المرحلة الرابعة)، 10 وهذه المرحلة لا تزال قيد التنفيذ، ويموّلها البنك الدولي والصندوقان العربي والكويتي.11
Architecture of the Old Town of Sana’a, Yemen. ©Adobe Stock/Anton Ivanov Photo
المراجع
- 1. IMF, “Yemen in the 1990s: From Unification to Economic Reform,” 2002, https://www.imf.org/external/pubs/nft/op/208.
- 2. Press Release, “Yemen: Third Public Works Project,” The World Bank, 2010, https://reliefweb.int/report/yemen/yemen-third-public-works-project.
- 3. “Infastructure Development Group, “IMPLEMENTATION COMPLETION REPORT ON A CREDIT IN THE AMOUNT OF SDR 17.00 MILLION TO THE REPUBLIC OF YEMEN FOR A PUBLIC WORKS PROJECT,” The World Bank, December 29, 2000, https://documents1.worldbank.org/curated/en/312991468171556870/pdf/multi-page.pdf.
- 4. Ibid.
- 5. World Bank, “Development Credit Agreement (Public Works Project) between REPUBLIC OF YEMEN and INTERNATIONAL DEVELOPMENT ASSOCIATION,” The World Bank, July 17, 1996, https://documents1.worldbank.org/curated/en/299261468171552000/pdf/E43B5B67F0522B7085256F03000F3190.pdf.
- 6. Infastructure Development Group, “IMPLEMENTATION COMPLETION.”
- 7. World Bank, “Development Credit Agreement (Public Works Project).”
- 8. “Public Works Project Yemen,” 2023, Available at: https://www.pwpyemen.org/index.php/en.
- 9. UNOCHA, “INTER-AGENCY HUMANITARIAN EVALUATION OF THE YEMEN CRISIS,” July 13, 2022, https://www.unocha.org/sites/unocha/files/Yemen%20IAHE%20Final%20Report_July_13_2022_English.pdf, 16.
- 10. UNDP, “Yemen’s Public Works Project: Creating essential services, jobs and resilience,” 2020, https://www.undp.org/yemen/stories/yemen%E2%80%99s-public-works-project-creating-essential-services-jobs-and-resilience.
- 11. “Public Works Project Yemen.”